(Array|find{1724}|oui)

المحامي عبد الغني بادي لـ "الحرية":السلطة القوية لا تحتاج إلى التضييق على الحريات


يحتفل العالم اليوم بالذكرى السابعة والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948. وبهذه المناسبة، ارتأينا تسليط الضوء على واقع حقوق الإنسان بالجزائر، لما يتم التضييق على الحريات؟ ما مدى إخلال السلطة بالمواثيق الدولية وعدم تقييدها بالتشريعات الواقعية؟ لما طالت المتابعات نشطاء الفضاء الافتراضي؟ عن هذه الأسئلة وأخرى يجيبنا الحقوقي عن الرابطة والمحامي عبد الغني بادي.

ما هو تقييمكم لواقع حقوق الإنسان بالجزائر؟

عبد الغني بادي: واقع حقوق الإنسان في تراجع خطير خاصة سنة 2015 التي شهدت قمع الحريات وهضم الحقوق من طرف السلطة، نعرف أن الأعمدة المكونة لحقوق الإنسان أربعة هي الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب حقوق تسمى بحقوق الإنسان من الجيل الرابع نحن بعيدون جدا عنها ولا تستوجب حتى الخوض فيها، نبقى مع الأعمدة الأربعة التي شهدت تراجعا خطيرا، فالحقوق المدنية والسياسية شهدت تراجعا بالنظر لسنوات خلت كانت السلطة تترك إلى حد ما هامشا لممارستها ولو بصيغة غير مُرضية، لكن ليس كهذه المرحلة التي شهدت ترسانة قانونية أقل ما يقال عنها إنها وضعت خصيصا لقمع الحريات كقانون الجمعيات وقانون الإعلام مع غموض قانون السمعي البصري وجعل الإدارة تحل محل القانون وتتصرف بدون كابح لجماحها.

هذه الفترة شهدت آثار تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع على غرار غلق قناة "الوطن" اعتقالات وسجن وقمع للتظاهر ووضع آلية قانونية تقاربه من الناحية القانونية للسيطرة على هذا الحق، وهي جريمة التجمهر التي حلت محل الحق في التظاهر والتجمع المكفولة بموجب الدستور.

وبخصوص الحقوق الاجتماعية، فالسلطة تمن على المواطن بقروض وكالة تشغيل الشباب التي برز بدون أدنى شك عجزها على أن تكون بديلا للاتزان الاقتصادي الذي تبنيه مؤسسات حقيقية تدر المنفعة على الوطن وعلى صاحبها بدلا من أن تكون وبالا على الوطن وعلى صاحبها! هي هكذا الخطط الاقتصادية التي تدمر النسيج الاجتماعي في شكل وكالة التشغيل، لا يمكن لأي كان إنكار عدم هشاشة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. اقتصاد ريعي هش قامت الدنيا بمجرد تراجع سعر المحروقات، ومضي نحو تدمير باقي المؤسسات التي صمدت في وجه الفساد والرشى ومازالت تدر القليل، الوضع الاجتماعي كارثي على طول الخط، فيما يخص الصحة والتربية والتعليم ونوعيته بالخصوص مستشفيات لا تعالج أحدا إلا بالمحسوبية وفي ظروف سيئة جدا، بينما يعالج مسؤولون بمبالغ باهظة بالخارج على حساب الخزينة. أي حقوق إنسان هذه التي لا تحقق العدالة الاجتماعية؟!

- شهدت بداية السنة الحالية حملة واسعة من الاعتقالات التي طالت نشطاء سياسيين وحقوقيين، كيف ترون هذه الظاهرة، وبرأيكم لماذا أخذ الجنوب "حصة الأسد" من هذه المتابعات القضائية؟

هذا السؤال طرحته عدة مرات على نفسي وعلى فعاليات المجتمع المدني، لماذا يُعتقل النشطاء وخاصة في الجنوب؟ ولماذا كل هذه الحملة من الاعتقالات؟ مثلما يعرف الجميع، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، أن الجنوب لم يشهد تنمية تذكر سوى بعض الأمور التي لا تتوازن مع الثروة التي تزخر بها المناطق الجنوبية ومع هذا فإن السلطة تفضل دائما إبقاء الجنوب خارج التاريخ وخارج الجغرافيا.

تنقلت كثيرا إلى الجنوب وزرت عدة مناطق، الناس هناك مازالت تعاني قساوة الطبيعة وظلم وإجحاف السلطة، والنشطاء بالجنوب يطالبون فقط بالحقوق الاجتماعية والمساواة مع بعض المناطق الشمالية، سكان الجنوب أصبحوا يشعرون بالتمييز ولهذا تعالت الأصوات المنادية بحقوقها الاجتماعية على غرار لجنة البطالين التي شهدت اعتقال 8 من مناضليها دفعة واحدة بداية السنة الحالية، وكذا الجمركي السابق رشيد عوين الذي فضح قضية تصدير الغاز لتونس بدون جمركة، مرورا بالرسام الكاريكاتوري الطاهر جحيش، وعضو جبهة رفض حسان بوراس، حتى حركة "مافرات" في تمنراست شهدت مضايقات واعتقالات بسبب احتجاجات الغاز الصخري.

السلطة تخشى حراك الجنوب وتعتبره قنبلة موقوتة، وبالمقابل تفضل إبقاؤه بيئة حاضنة لمؤشرات انفجار اجتماعي عوض معالجة القضايا بعقلانية وموضوعية وإعطاء لكل ذي حق حقه.

بصراحة، السلطة لم تبد أية إرادة سياسية حقيقية لإصلاح الوضع هناك، فهي تتعامل دائما بمنطق المعالج للمرض بالمسكنات فقط بدلا من استئصال المرض الذي قد يصبح خبيثا إن لم يكن قد صار كذلك، السلطة استبدلت العلاج الصحيح بعلاج القمع وتكميم الأفواه، هذا ما هو ظاهر للجميع.

- في ظل التضييق على الحقوق والحريات في الفضاء العمومي أضحت مواقع التواصل الاجتماعي عامة والفايسبوك خاصة السبيل الوحيد والمساحة الملائمة للتعبير "الحر" وتمرير الرسائل للمسؤولين، فهل ترون أن المجال الافتراضي أصبح أكثر فاعلية من الواقع الملموس؟

التضييق ليس وليد اليوم، نحن نشهده منذ الاستقلال عدا مرحلة الانفتاح التي لم تدم طويلا (1989 ـ 1992)، كانت السلطة دائما تنتهج سياسة التضييق كأسلوب بقاء واستمرار.

بخصوص مواقع التواصل الاجتماعي وهل يمكنها أن تحل محل الممارسة السياسية الحقيقية، أرى أن هذا غير ممكن، لاسيما وأن السلطة تمارس التضييق حتى على العالم الافتراضي، فجل المتابعات القضائية كانت من منطلق كتابات على الفايسبوك، الواقع شيء آخر الواقع تواصل حقيقي تجمعات، اجتماعات، تنسيق، عمل مشترك، حوارات، لقاءات، ومشاورات والعالم الافتراضي لا يمكنه تحقيق حد أدنى من هذا.

اليوم أصبح النشطاء على الفايسبوك يخشون الاختراقات التي قد تطال صفحاتهم، لذلك يتحركون في إطار سقف معين خشية المتابعات والاعتقالات. في الحقيقة التضييق شمل حتى العالم الافتراضي.. يعني لا نحن في هذا ولا في ذاك.

يبقى الشق المتعلق بإيصال رسائل للمسؤولين، أرى أن المسؤول مثله مثل من لا يرى ولا يسمع، وإذا تكلم هدد أو سب أو تطاول أو منّ على الشعب، ناهيك عن مسؤولين آخرين، وبدل تقبل النقد والبحث عن حلول يسارعون للتخوين أو الإهانة.

- لجأت السلطة، مؤخرا، إلى إصدار مرسوم رئاسي يبيح "التجسس" على مستخدمي الأنترنت بالجزائر، أليس هذا انتهاك للخصوصية؟

إن الحق في الحياة الخاصة كفلته الشرائع السماوية وكفلته كل المواثيق الدولية ونحن بالجزائر نتبع مادة قانونية هي المادة 303 مكرر من قانون العقوبات 23/06 التي تنص صراحة على تجريم المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص بأي تقنية كانت، سواء بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصة أو سرية بغير رضا صاحبها، وعليه أرى أن هذا الإجراء غير دستوري ويجب التراجع عنه وإلغاءه لأنه هتك عرض للحياة الخاصة، لكن السلطة تبرر هذه الخطوة بمحاربة الإرهاب وأمن الدولة.

إن انتهاك الحياة الخاصة هو انتهاك لحرمة الشخص وهو عمل غير أخلاقي، الاستثناءات تكون في حالات الطوارئ المحددة بالمدة في إطار ضيق على بعض الأشخاص المشتبه فيهم وليس عامة الناس بافتراض سوء النية في كل أفراد المجتمع.


- حتى الصحفيين لم يسلموا من "الرقابة الإلكترونية" وفق ما صرح به وزير الإتصال حميد قرين عندما قال "على الصحافيين أن يتحملوا مسؤولية منشوراتهم على الفايسبوك"، في رأيكم هل أصبح الفايسبوك يشكل "خطورة" على السلطة؟

تصريحات الوزير منبعثة من مخاوف السلطة عندما تشعر بالضعف، السلطة القوية لا تحتاج إلى التضييق على الحريات، لاسيما حرية التعبير، السلطة القوية لا تضيق على صحفييها، بل العكس هي تبحث عن صحافة قوية تقوى بها، لأن الصحافة القوية تعتبر دليلا صحيا على سلامة الدولة وليس العكس.

السلطة سعت إلى إضعاف أجهزة ومؤسسات كان من المفترض أن تكون هي الدعائم للنهوض بالدولة مثل البرلمان والسلطة القضائية، غير أن الواقع –للأسف- يبرز مدى ضعف المؤسسات من خلال تدخل الجهاز التنفيذي في صلاحيتها، هذا الأخير استولى على كل السلطات حتى الإعلام الذي يشار إلى أنه سلطة رابعة، أصبح اليوم بيد الإدارة ونعرف كلنا دور الإشهار في وسيلة إعلامية، هو كالقلب في الجسد. السلطة عممت التمييع، للأسف، وسلطت سيف الجهاز التنفيذي على باقي السلطات بما فيها السلطة الرابعة.

-  أكد وزير العدل الطيب لوح أن "مضمون الأمر المعدل لقانون الإجراءات الجزائية مكسب للعدالة الجزائرية من حيث تعزيز الحريات وحق الدفاع"، ما هي قراءتكم لفحوى هذا القانون خاصة في شقه المتعلق بالعقوبات؟

ما استغربناه هو تصريحات الوزير بخصوص منتقدي هذا القانون عندما وصفهم بـ "الكاذبين" وهذا غير لائق وغير مقبول خاصة عندما يصدر من وزير العدل.

القانون فيه وعليه هو ليس قرآن يتلى، وإن كان فحتى القرآن الكريم فسرته مذاهب أربعة، يعني ممكن أن نختلف في مدى توافق القانون مع الحريات لكن من دون أن يصل الأمر إلى التهجم والوصف بالكذب!

أنا شخصيا أعيب على القانون عدم إشراك الأسرة القانونية في سنه من نقابات المحامين وجمعيات حقوق الإنسان، خاصة أنه تعلق بالحريات، لماذا كل هذا التهميش المتعمد؟

لقد شمل القانون تعديلات نوعية في مسألة الحريات كالمثول الفوري، بدل التلبس في الجرائم وأعطى توضيحا أكثر لمفهوم الإفراج المؤقت. غير أن فيه عيوبا تعلقت أساسا بمنح المحامي مهمة ناقصة لضمان أكثر حق للمشتبه فيه أثناء الإيقاف تحت النظر، فتم السماح له بزيارة المشتبه فيه، وهذا بعد أن يقضي نصف مدة الإيقاف القانونية.

كما حرم القانون المشتبه فيه من حضور محاميه أثناء سماعه أمام الضبطية القضائية، وهذا ما كنا ننادي به هو الحضور عند سماعه وليس زيارته، المحامي له دور واضح لا هو نفساني ولا هو أخصائي اجتماعي ليزور الموقوف تحت النظر من أجل الزيارة. طالبنا أن يكون حضور المحامي عند السماع، وهذا مطلب لم يستجب له.

القانون محل جدل من جانب رفع التجريم عن الفساد ورفع يد النيابة عن تحريك الدعوى العمومية في قضايا الفساد وترك تحريك الدعوى حكرا على الهيئات الاجتماعية! أمر مثير للجدل في وقت شهدنا ارتفاعا قياسيا لقضايا الفساد، أعتقد أن قانون الإجراءات الجزائية يمكنه أن يعدّل بما هو أفضل.

حاورته: أمال بابا

جريدة الحياة 10 دسيمبر 2015