(Array|find{1907}|oui)

19 جوان ليس موعدا مع التاريخ. بقلم نجيب بلحيمر

ليست السلمية مظاهرات فحسب، إنها حركة واعية تهدف إلى إحداث تغيير عميق يزيح العقبة التي يمثلها هذا النظام في وجه الجزائريين الطامحين إلى العيش في حرية وكرامة.
توقفت المظاهرات ولم تنطفئ شعلة السلمية ذلك لأنها تجذرت في وعي الجزائريين، فهي لم تتأثر بسياسة الأمر الواقع التي تفرضها السلطة منذ أكثر من عام، وفي كل يوم تزيد عزلة النظام وتعمق أزمته الداخلية وتكشف تناقضاته التي تؤكد نهاية صلاحيته.

السلمية فعل وليست رد فعل، وقد كانت لها الشجاعة لتعليق المظاهرات منذ ثلاثة أشهر وانتقلت إلى أشكال جديدة من النضال، وإذا كانت السلطة قد واصلت حملة الاعنقالات، وصعدت من القمع فلأنها تعيش حالة من الرعب من استمرار السلمية اليوم وغدا.

لم ترتبط السلمية بتاريخ محدد، ولم تتوقف إلا عندما قدر أبناؤها الملتزمون بها أن الأزمة الصحية تفرض عليهم التوقف، فالسلمية جاءت لتبني لا لتهدم، ورفض العنف وتجنبه بذكاء رغم القمع والاستفزاز، كان تأكيدا آخر على أن الذي يصنعون تاريخا جديدا للجزائر منذ 22 فيفري 2019 لن يتحولوا إلى رد الفعل على ممارسات سلطة مرتبكة وفاشلة وفاقدة للبصيرة.

الظرف الصحي الذي كان سببا في تعليق المظاهرات ما زال قائما، ولا شيء يبرر المجازفة بصحة الجزائريين، سواء كانوا من المتظاهرين أو من غيرهم، والذين أبهروا بسلميتهم طيلة ستة وخمسين أسبوعا لا يمكنهم التفريط في هذا الرصيد الثمين بحجة القمع والاستفزاز وهم الذين سبق لهم أن أحبطوا، بذكائهم وعزمهم، كل محاولات جرهم الى مستنقع العنف.

أمر طبيعي أن تختلف الآراء حول مسألة عودة المظاهرات، لكن الذين يخوضون معركة الحرية لا يمكنهم أن يسقطوا في فخ التخوين لمجرد اختلاف في الرأي، فلا الذين يتحمسون للخروج تحركهم يد خفية، ولا الذين يدعون الى عدم الخروج تخلوا عن القضية، كل ما في الأمر اختلاف في تقدير الموقف يحسم بالنقاش الهادئ.

لا خوف على السلمية من تمديد تعليق المظاهرات إلى أن تتوفر الشروط الصحية الكاملة لعودتها، وعلى الذين يحملون ذلك الخوف أن يتذكروا توجسهم من دعوات تعليق المظاهرات في بداية الأزمة الصحية.

السلمية تصنع مستقبل الجزائر، وهي ماضية قدما كحركة واعية وذكية لأنها منسجمة تماما مع حركة التاريخ، ولذلك فهي غير مرهونة بموعد زمني، ولا محصورة في فعل التظاهر.

الجزائر 17 جوان 2020