(Array|find{830}|oui)

الجزائر: إحباط الخمسينية وعمى النظام

تدخل الجزائر خمسينية استقلالها، وهو ليس سن الرشد بالنسبة لنظام مازال مصرا على استخدام المكر مع الجزائريين في حين تبرز المعطيات المفتوحة أن هناك علامة استفهام حول مستقبل البلاد. هل هذا يعني أنه لا أحد من داخل النظام يكلف نفسه عناء "التفكير" في الغد.

لم يسمع بوتفليقة أو النظام الذي يشكل هو واجهته الرئاسية التحذيرات: إنه يواصل ادعاء الإصلاح بتغيير النصوص ذات التطبيق الافتراضي. بعد اجتماع مجلس الوزراء، يوم الأحد الماضي، كانت أفكار "الروبو" السياسي للنظام الذي يجسده بجدارة أحمد أويحيى هي المهيمنة. وتتمثل هذه الأفكار ببساطة في أنه، ليس هناك أزمة في الجزائر ونعمل ما نريد. لقد صنعت لجنة بن صالح قائمة من المدعوين استمعت إليهم وقامت بحوصلة الأفكار الغالبة، حتى في مجال الخداع والمناورة فقد النظام مهاراته كلها، وصار مكشوفا، وضحك حتى المبتدئون في السياسة من إعلانه، كما قال بوتفليقة عبر وكالة الأنباء الجزئرية "أن استشارة واسعة سمحت بمعرفة رأي الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني."
يستمتع النظام بسماع نفسه يتكلم وينصت إليها، وهو يزعم أنه ينصت لكل الجزائريين. فهو يحب في الغالب أن يكون السلطة والمعارضة في نفس الوقت ويحب أكثر كتابة سيناريوهات بحيث تكون لكل واحد كلمة كومبارس في مسرحية عامة. وكل الذين لا يتذوقون نصوصه، ينبذون من التعبير ويشكك في وطنيتهم. لأنه بكل بساطة مازال بوتفليقة والآخرون غير مستعدين "أن يقوموا بالأشياء بصفة جدية" كما قال آيت أحمد الذي لاحظ بأن "الجزائر مثقلة بالخدع والحيل القذرة".

غياب الجدية

إذا كان عند بعضهم وهم ما فإن قراءة بيان مجلس الوزراء ليوم 10 جوان 2011 تظهر أن "الحوار" ماهو إلا خدعة إضافية وقد يؤدي بنا إلى الإشادة بصراحة أويحي الذي لا يحب افتعال هذا الحوار، والذي يحبذ بدون شك أن "يتكفل" أصحاب القرار بالتحضير ل"الخلافة". لا يختلف جمود النظام الجزائري أصلا عن زميله السوري الذي يزج بالبلاد في أسوإ محنة في تاريخها، هناك "غياب مخيف للجدية" مما يجعل المستقبل مظلما.
تدخل الجزائر عامها الخمسين من الاستقلال في ظل نظام سلطوي ذي قدرات منهكة، وفي وضعية من العجز الكلي تعمل على استمرارها مصالح ريعية. كما يترجم الخطاب الرسمي استخفافا كبيرا اتجاه التطورات الملفتة وفي بعض الأحيان المقلقة التي تحصل في المنطقة. هل تحصل النظام على ضمان ـ كما هو الحال بالنسبة للنظام المغربي ـ وهل سيصفق الغربيون لإصلاحاته ؟ـ وسيعمل الذين يحبون الجوانب التافهة للتاريخ على قياس التصفيقات الموجهة للملك السادس إن كانت أقل أو أكثر من تلك التي تمنح لبوتفليقة، مع أن هناك عبرة نهائية تستخلص من الذي جرى في مصر وتونس وليبيا وهي أن الصدقات الغربية سريعة الزوال. وهي دول لها خط يوجهها اسمه "الهيمنة " وهي تعرف كيف تتأقلم وتتحين الفرص.

هل من أحد يفكر؟

ولكن هل هناك من أحد يفكر داخل النظام؟ هل هناك مكان يتم فيه تقييم الأمور أبعد من المناورة الظرفية؟ إذا كانت مجموعة التفكير (ثينك ثانكس) موجودة وحتى وإن اختصرت تقييمها على الجانب الأمني البحت فسيصاب أعضاؤها بهلع كبير، مع أنهم ليسوا في حاجة إلى معطيات سرية جدا للغاية فالمعطيات واضحة ومرئية للملأ .
إن الجزائر تابعة كليا للمحروقات، وما يقارب 98 في المائة من صادراتها هي بترول وغاز. تعيش الجزائر على الريع وقد تموت إن لم تنشئ اقتصادا. يظن الرجال الموجودون في الحكم ـ نتيجة لفقدان البصيرة ـ أن لديهم الوقت، في حين أن التقديرات الأكثر تفاؤلا تؤكد أن الجزائر ستكون بدون بترول للتصدير خلال 25 سنة. سيكون لدينا الغاز طبعا لكن اتجاهات السوق الدولية مع استغلال غاز الشيست تظهر جليا أن الموارد الغازية لن تكون هامة. إن البترول هو الذي يجلب أكبر الموارد ولن يكون لدينا بترول، ولا يجب انتظار معجزة ، لن نجد آبارا جديدة مثيلة لحاسي مسعود تسمح بتضييع الوقت. بعد 25 سنة سيكون على الجزائريين الذين في الخمسين وأبناؤهم الذين هم في 25 أن يتدبروا سبل المحافظة على الحياة في جزائر غير بترولية. وقد تكون لهم فكرة عن الذين هم في السلطة اليوم عندما يلاحظون أن لاشيء تم تحضيره لهذا الوضع الذي كان معروفا مسبقا، وهذا واقع سلطة لا تفكر لغد ولا لبعده ، إنها تحصر السياسة في فن أصبح مبيتا للمكر المدعم بالقوة. هي لا تبني، هي تمنع البناء. ويؤكد كل الاقتصاديين الجزائريين بكل اتجاهاتهم أنه من شأن دولة قانون تحترم القوانين والقواعد وإدارة فعالة تخدم المصلحة العامة أن تعطي دفعا تنمويا قويا لبلد يستورد تقريبا كل ما يحتاجه. فالأزمة التي مازالت رغم رأي "الربوتات" مستمرة يغذيها نظام مصاب بالعمى لا يفكر في الغد، يمنعه الريع من التفكير، لم تترك أمام الجزائريين غير حل مواصلة التفكير بأنفسهم لإيجاد سبل منع حصول الكارثة القادمة.

أحمد سلمان
www.lanation.com