(Array|find{1081}|oui)

الديمقراطية وذئاب المال بقلم مصطفى هميسي

شعوب كثيرة في العالم صار أنينها من ظلم المال وذئاب المال صاخبا. من أوروبا إلى نيويورك عاصمة المال وتقنيات السطو على مصالح الشعوب وعلى حرياتهم وديمقراطيتهم.

ذلك صار واضحا، خاصة عندما فضحت الأزمات المتكررة منذ سنوات هذه الأنظمة وجعلتها تظهر على حقيقتها. إنها لا تبرع إلا في شيء واحد وهو التحايل على حقائق الاقتصاد وتشتري بالمال الذي لا تنتجه أصوات الناس وأوهامهم أيضا.

هناك أمامنا الآن وبكل وضوح التعبير عن حال الديمقراطية الغربية وحتى محدوديتها.

اليوم الكثير من بلدان أوروبا وخاصة المنضوية في اليورو تعيش أزمة ديون سيادية فاقت مئة بالمئة إنتاجها الوطني الخام في غالب الأحيان مما يجعلها تعيش عالة على الاقتصاد العالمي.

وقد دعا محافظ بنك انجلترا المركزي السير ( ميرفين كينغ) الى الاستعداد لاحتمال انهيار منطقة اليورو، مؤكدا أن النظم المالية في جميع أنحاء العالم معرضة لامتداد أزمة الديون في منطقة اليورو إليها. وهو ما يحذر منه الكثير من الخبراء.

هذا الوضع يسلتزم ملاحظتين على الأقل: الأولى أن المواطن الأوروبي ظهر ضعيفا أمام الأوساط المالية. فقد تولت هذه الأوساط عملية إدراة الأوضاع بدلا من تنظيم أي انتخابات. لقد رأينا كيف جن جنون أوساط مالية هامة ضد رئيس الوزراء اليوناني السابق باباندريو عندما أعلن نيته تنظيم استفتاء حول ما تطلبه منه القوى المهيمنة على اليورو وأجبروه على التنحي ووضع الأمر كله بيد تقنوقراطي رضيت عنه الأوساط المالية وفي إيطاليا لا يختلف الأمر كثيرا، فقد فشلت القوى السياسية البرلمانية في الإطاحة ببرلسكوني ولكن القوى المهيمنة ماليا والمرعوبة على مصالحها تمكنت من إزاحته بسهولة واضحة.

أما الملاحظة الثانية فهي أن الأوساط المالية المهيمنة ستعمل على الضغط على دول الجنوب، خاصة الغنية منها ماليا، لكي تأخذ منها أموالا من أجل التخفيف من أعباء مديونيتها. لأن بلدان جنوب المتوسط بالخصوص، هي الطرف الأضعف حتى من شعوب هذه البلدان وبالتالي فهي ستدفع فاتورة عالية جدا بذرائع مختلفة، وأحيانا بالضغوط على الأنظمة القليلة الشرعية أو الحديثة العهد بالحكم لأن استمرارها مرتبط بالغرب وأوساط المال والفساد فيها. بل أن الأنظمة في بلدان الجنوب خاصة البلدان العربية منها لا تملك قدرة على مواجهة هذه الضغوط لأن أموال الكثير منها ومن مسؤوليها موجودة في هذه البلدان.

وتجدر الإشارة أن هذه الأزمة تأتي في وقت تعرف المنطقة العربية، كلها تقريبا، عدم استقرار قد يدوم سنين طويلة، وتعرف صعود نخبة جديدة قد تحتاج للكثير من الوقت لضبط إيقاع إدارتها للشأن العام.

أما في الغرب فإن المتوقع هو زيادة نفوذ الأوساط المالية والذي قد يكون مصحوبا بحكم اليمين، وهو ما حدث في إسبانيا ومرجح أن يحدث في أغلب دول أوروبا.

إن بلداننا في حاجة ماسة لإصلاحات أكثر من البلدان الأوروبية وفي حاجة لتعزيز عوامل حماية مصالح شعوبها وبشكل عاجل. لا ينبغي أن نغتر فانتفاضات بعض الشعوب العربية أو صحوتها لن تحل الإشكاليات القائمة ومنها ترقية عوامل القوة واستقلال القرار. الأمر سيطول وقد يحتاج لانتفاضات أخرى متتالية، كما نرى المحاولات في مصر.

ومرجح أن ما تعانيه دول اليورو سيدفعها لمزيد من التصرفات الامبريالية، نعم هذا المصطلح ينبغي أن يعود للتداول، وذلك على حساب شعوبنا. إذن المرحلة ستكون مرحلة تراجع الديمقراطية في الغرب وعودة الامبريالية بشكل شرس.

إن أي مواجهة في صراع المصالح في المرحلة المقبلة مع الحكومات الجديدة سيكون عويصا، نقول ذلك تفاؤلا بأن هناك مواجهة، وهي في الواقع غير موجودة إلا في حالات نادرة. فالحكومات التقنوقراطية وكل الحكومات الجديدة اليمينية في إسبانيا وفي فرنسا وفي غيرها من بلدان أوروبا ستعمل بكل ما أوتيت من قوة وحيلة على السطو على ما أمكن من أموال بلداننا بأشكال متعددة، من المفترض، أنه ينبغي تجنيد كل الخبرات والطاقات من أجل مواجهة هذا الوضع. فهل نجد لهذا أثرا في الجزائر مثلا؟ طبعا لا لسبب بسيط أننا بلا دولة ولا مؤسسات ولا حكومة ولا مجالس ولا طبقة سياسية. المخاطر كبيرة على التجارب الجديدة في تونس والمغرب ومصر وباقي بلدان العرب ولكن لا نلمس اهتماما مناسبا بالموضوع لا إعلاميا وأقل من ذلك سياسيا.