(Array|find{1065}|oui)

!!فرنسا – الجزائر: أي مقابل لتزكية الإصلاحات..؟ مصطفى هميسي

وزير الداخلية الفرنسي يعتبر إجراءات بوتفليقة تمكن من " مزيد من الديمقراطية"، عكس رأي غالب توجهات الرأي العام الجزائري، بل حتى من داخل التحالف الرئاسي. فما هو مقابل هذا الموقف؟ قد يكون مساندة حملة ساركوزي أو على الأقل عدم مساندة فرانسوا هولاند.

مقابل ذلك فرنسا تكرم رفاة المجرم بيجار ووزير خارجية الجزائر يقدم عرضا أمام لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الفرنسي وزيارات متبادلة مبرمجة بدأت بزيارة وزير الداخلية الفرنسي وتتلوها زيارات أخرى لرجال أعمال وللمبعوث الرئاسي الفرنسي جان بيار رفاران، إنه عهد العسل بين البلدين. وعقود مالية وأمنية وسياسية.

فيما يخص تكريم رفاة السفاح بيجار والذي فضلت كل الأطراف الجزائرية السكوت عنه واعتباره مسألة لا تهم الجزائر، فهو يؤكد شيئا واحدا: فرنسا الاستعمارية ستظل هي فرنسا الاستعمارية ومن لم يعجبه الأمر فعليه أن يشرب من البحر.

في الوقت الذي تلح فرنسا على الاستفادة من مشاريع هامة وربما الأهم في البلاد وبمليارات ويبدو أنها وجدت الرضا لدى المسؤولين فإنها تعمل على تكريم وتمجيد السفاح بيجار.

للتذكير فقط فإن يدي بيجار ملطخة بدماء الجزائريين، فقد اعتقل أثناء معركة الجزائر ما يقرب من 100 ألف جزائري قتل من قتل وعذب من عذب فهل علمنا أبناءنا بما يكفي جرائم الاستعمار وهل ذكرنا بما فيه الكفاية بجرائم أمثال هذا السفاح من 1830 إلى 1962.

مع ذلك هذا حق فرنسا، فهي تعتبر الجرائم ضد الجزائريين مصدر فخر لجيشها وجنرالاتها لأنهم خدموا بلدهم، وليس هذا هو المشكل، فالمشكل هو أن يعتقد البعض منا أن فرنسا الاستعمارية يمكن أن تتغير يوما. وأن العلاقة بين البلدين يمكن نسيان الماضي فيها.

هل ندرس للشباب الجزائري قانون الإنديجينا لكي يعرف نوع الحضارة التي كانت تعلمها فرنسا للجزائريين، طبعا لا. والله العظيم كلما قرأت مادة من هذا القانون تسيل دموعي وتغلي الدماء في عروقي، إنها إهانة تاريخية لا يمكن ولا ينبغي نسيانها لفرنسا الهمجية العنصرية.

ينبغي أن يذكرالجميع أن فرنسا لم تعلمنا لا دولة القانون ولا الديمقراطية ولا حقوق الانسان. علمت بعضا منا كيفية قمع الشعب وكيفية فرض " ثقافة" الاستعمار من دون استعمار.

الغريب العجيب أنه في هذا الوقت بالذات يعلن رسميا أن وزير الخارجية وأثناء زيارته لفرنسا سيقدم عرضا أمام لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الفرنسي عن السياسة الخارجية الجزائرية ومؤكد عن الوضع الداخلي و" الإصلاحات!" التي تأتي أو لا تأتي.

هذا التلازم بين تمجيد سفاح وبين تقديم عرض من وزير سيادة أمام منتخبين فرنسيين وبين تزكية إجراءات الرئيس خطير جدا ويظهر وكأنه صفقة مكتملة الأركان.

إن وقوف وزير الخارجية أمام منتخبين فرنسيين ليس أمرا عاديا، فمن قرر ذلك ولماذا؟ طبعا معروف دستوريا أن الدبلوماسية مجال يختص به رئيس الجمهورية.

فرنسا والاستعماريين الجدد لا يتصرفون بشكل اعتباطي بل غالب الظن أن تمجيد بيجار أمر محسوب. كما أن تقديم عرض أمام منتخبين فرنسيين ليس اعتباطيا، إنه إعلان عن شكل جديد من العلاقة بين البلدين، يوحي وكأن فرنسا " تتسيد" على القرار الجزائري وكأنها تحاسب الجزائر. هذا أمر لا يحدث في العلاقات العادية بين الدول. فكيف توافق الجزائر على ذلك؟ مقابل هذا هل رأيتم وزير الخارجية يشرح الدبلوماسية الجزائرية في البرلمان أو في وسائل إعلام جزائرية!!

ومع ذلك فأنا أعلن أنني قررت أن أحب فرنسا. فالناس على دين ملوكها. وواضح أن السلطة تحسب لفرنسا ألف حساب ولا نرى أن السلطة ورئيسها تحسب حساب الجزائريين رضاهم أو غضبهم، ولكنني أحبها بالخصوص لأنها تعلمني أن أكون وطنيا ولأنها تذكرني المرة بعد المرة بإهاناتها التاريخية وتعلمني عدم النسيان. وأحبها لأنها تدفع بعض الجزائريين المدافعين عن الأطروحات الفرنسية والمتعاطفين ثقافيا أو مصلحيا، وما أكثرهم، إلى السكوت.

مقابل وطنية الاستعماريين بعضنا دعا لعدم تدريس التاريخ وإلى قلب الصفحة والبعض يدعو لوضع جبهة التحرير في المتحف انتقاما منها وليس من بلخادم والسلطة التي تستغل رمزها.

ألا يمكن أن نفهم الدرس مرة واحدة. الاستعمار استعمار. إنه موقف ثقافي وموقف عنصري وموقف انتقامي تاريخي ولن تنتهي هذه الثقافة وهذا الموقف أبدا. ومن لم يفهم هذا الدرس فأنا أتهمه ليس بالغباء بل بالعمالة.

مقابل الجانب العاطفي في الموضوع، والذي لا يمكن قمعه، فإن هناك غموضا كبيرا في العلاقة بين البلدين وعن المصالح الفرنسية في الجزائر وعن مستوى التدخل في الشؤون الجزائرية وعن نفوذ اللوبي الفرنسي في الجزائر وعن المليارات التي سيستفيد الاقتصاد الفرنسي المتأزم منها ومقابل ماذا؟

إن تزكية وزير الداخلية الفرنسي لـ " إجراءات الرئيس" واعتبارها تقدما للديمقراطية ليس بالأمر الذي يصدر عن الدولة الفرنسية لاعتبارات مجاملة بل هو موقف سياسي محسوب وله مقابل. فماذا سيكون المقابل؟ ذلك أمر غامض قد لا يتصل فقط بالانتخابات الفرنسية بل بأشياء أهم ومنها ضمان استقرار الوضع وإعلان أن فرنسا تفضل استقرار هذا الوضع على ما هو عليه. فهو الوضع الأمثل لخدمة مصالحها.

العواطف المصالح، لا يمكن الفصل بينهما في العلاقة بين فرنسا والجزائر. فرنسا بتكريمها مجرم حرب قتل آلاف الجزائريين وعذب الآلاف تعبر من دون أي خجل ومن دون أي تردد عن عواطفها الوطنية، وهي تسعى مع ذلك لإقناع، من هو مقتنع من الجزائريين المسؤولين، أن المصالح أهم من الماضي ومن العواطف.

على العموم وفي إطار المعاملة بالمثل، أي العواطف مقابل العواطف، على المجاهدين وعلى المثقفين المناهضين للثقافة الاستعمارية والرافضين للتسامح مع جرائم الاستعمار ومع من اغتصبوا ونهبوا قتلوا وعذبوا الملايين من الجزائريين وحرموهم من القوت ومن العلم ومن الكرامة، أن ينظموا ندوات في كل أرجاء البلاد بمناسبة الإعداد لعيد الاستقلال الخمسين للتذكير بجرائم الاستعمار.
شكرا فرنسا على هذه الصفعة الجديدة وما يحز في نفسي ليس هناك من يردها